+
----
-
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد:
فإن
شهر محرم من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله –تعالى-( إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:36)
وقد قال النبي –صلى
الله عليه وسلم-: ( السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات :
ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) رواه
البخاري (4662)، ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة – رضي الله عنه-.
وسمي
هذا الشهر محرما لتحريم القتال فيه . المطلع على أبواب المقنع 1/150
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/393 وقيل لتحريم الجنة فيه على إبليس .
إعانة الطالبين 2/214 مغني المحتاج 4/66 والأول أصح .
قال تعالى (
وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:2) قال ابن العربي رحمه الله تعالى : " في
تعيينها أربعة أقوال : الأول : أنها عشر ذي الحجة ; روي عن ابن عباس ,
وقاله جابر , ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح . الثاني : عشر
المحرم ; قاله الطبري . الثالث : أنها العشر الأواخر من رمضان . الرابع :
أنها العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام في ميقاته معه " ا.هـ أحكام
القرآن 4/333
ويشرع صيام شهر محرم ؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله
عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( أفضل الصيام بعد رمضان
شهر الله المحرم ) رواه مسلم (1163).
وفي هذا الشهر يوم عاشوراء وهو
اليوم العاشر منه لحديث عَبْد اللّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ
عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ: إِنَّهُ
يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ
اللّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ
الْمُقْبِلُ، حَتَّىٰ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ . رواه مسلم ( 2619) وهذا
هو الصواب قال الزين بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من
شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية . فتح الباري 4/770 تنوير
الحوالك 1/269 نيل الأوطار 2/313 تحفة الأحوذي 3/397
ويتأكد صيام
يوم عاشوراء ؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: ( ما رأيت رسول الله
–صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم
عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان ) رواه البخاري(2006)، ومسلم(1132).
ولصيام
هذا اليوم المبارك فضل عظيم كما في حديث أبي قتادة – رضي الله عنه- عن
النبي –صلى الله عليه وسلم- ( صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر
السنة التي قبله ) رواه أحمد (5/296)، ومسلم (1163).
وصيام هذا
اليوم سنة مؤكدة وليس واجباً ؛ لحديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-
قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( إن عاشوراء يوم من أيام الله ،
فمن شاء صامه ومن شاء تركه ) رواه مسلم (1136). وعن عائشةَ رضيَ اللّهُ
عنها قالت: «كان عاشوراءُ يوماً تَصومهُ قريش في الجاهلية، وكان النبيُّ
صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما قدِمَ المدينةَ صَامَهُ وأمرَ بصيامه، فلما
نزلَ رمضانُ كان مَن شاءَ صامه، ومن شاء لا يَصومُه» رواه البخاري (
3744).
ويستحب حث الصبيان على صيامه ؛ كما في حديث الربيِّع بنت
معوذ – رضي الله عنها- قالت : أرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- غداة
عاشوراء إلى قرى الأنصار ( مَن أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح
صائماً فليصم ) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من
العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار .
رواه البخاري (1690) ومسلم (1136).
كما يسن صيام يوم قبله أو بعده ؛
لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه
وسلم-: ( صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده
يوماً ) رواه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095) من طريق محمد بن أبي ليلى
وفيه كلام وصح قال ابن رجب رحمه الله تعالى : " وصح عن ابن عباس من قوله "
ا.هـ لطائف المعارف /108 وهذا في صيام يوم بعده أما صيام يوم قبله فقد صح
ذلك كما ذكرته أعلاه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " وقد كان صلى
الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا
كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان ، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب
مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح ، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا
وقال: ( نحن أحق بموسى منكم ) ، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم
قبله ويوم بعده خلافا لهم " ا.هـ فتح الباري 4/770 تحفة الأحوذي 3/397
وصيام
يوم قبله أو بعده مستحب لا واجب قال ابن القيم – رحمه الله تعالى-: (
مراتب صومه ثلاث، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام
التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم )
ا.هـ زاد المعاد (2/75).
وعلى المسلم أن لا يتكل على صيام هذا
اليوم مع مقارفته للكبائر إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب قال ابن القيم
رحمه الله تعالى : " وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى
يقول بعضهم : يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في
الأجر ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام
يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان
والجمعة إلى الجمعة لا يقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر
إليها فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة
عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها هذا محال على أنه لا يمتنع أن
يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه ويكون من
نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من
التكفير فإذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونا على
عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين
متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال إن تجتنبوا كبائر ما
تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن
يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم
منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوي وأتم وأشمل "
ا.هـ الجواب الكافي /13
وسبب صيام هذا اليوم المبارك ما جاء في حديث
ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم-
المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ( ما هذا ) ؟ قالوا: هذا يوم
صالح ، هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال: ( فأنا
أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه ) رواه البخاري (1900) وقد سبق أن
ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صامه في مكة قال الباجي رحمه الله
تعالى : " يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ تَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ
أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَمَّا هَاجَرَ وَعَلِمَ
أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ صَامَهُ وَأَمَرَ
بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ نَسَخَ وُجُوبَهُ " ا.هـ المنتقى
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إما الإشكال الأول وهو أنه لما قدم
المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه
فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة ولكن أول علمه بذلك
بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة
هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية وإن كان بالشمسية زال
الإشكال بالكلية ويكون اليوم الذي نجى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من
أول المحرم فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية فوافق ذلك مقدم النبي المدينة
في ربيع الأول وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس وصوم المسلمين
إنما هو بالشهر الهلالي وكذلك حجهم وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو
مستحب فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منكم فظهر حكم هذه
الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه وهم أخطأوا تعيينه لدورانه في
السنة الشمسية كما أخطأ النصاري في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة
تختلف فيه الأشهر " ا.هـ زاد المعاد 2./70
وأختم بذكر بعض البدع التي أُحدثت في هذا اليوم مما ذكر أكثره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه .
فقد
ذهب بعض العلماء إلى استحباب قيام ليلة عاشوراء ولا أعلم لهم دليلا على
ذلك بل هي ليلة كسائر الليالي فمن كانت عادته قيام الليل قامها وإلا فلا
يخصها بصلاة . انظر :مطالب أولي النهى 1/581 ومن البدع كذلك الاجتماع
للصلاة هذه الليلة فتجتمع بدعتان . انظر : منح الجليل 1/345 مواهب الجليل
1/73 ومنها ما يُروى أنه من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا
وكذا كتب له ثواب سبعين نبيا قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " هو عند أهل
الحديث من الأحاديث الموضوعة " ا.هـ درء التعارض 1/150
ومن ذلك ما
ذكره ابن تيمية – رحمه الله تعالى- بقوله : ( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين
– رضي الله عنه- يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من
اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يُفضي إليه ذلك من سب
السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب... وكان قصد من سن ذلك
فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق
المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله
ورسوله – صلى الله عليه وسلم-) ا.هـ منهاج السنة (4/544) وقال رحمه الله
تعالى : " النوع الثالث ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة
ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة
الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة فهذا
الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرا ينهى عنه
مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع
وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله ولا أحد من
السلف لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من غيرهم لكن لما
أكرم الله فيه سبط نبيه أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي
الفجرة الذين أهانهم الله وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به
أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا
اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في
الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورا أخرى مما يكرهها الله ورسوله
وقد روي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين رضي الله عنهم قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ( من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث لها
استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب ) رواه
الإمام أحمد وابن ماجه فتدبر كيف روى مثل هذا الحديث الحسين بن علي رضي
الله عنهما وعن بنته التي شهدت مصابه وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مأتما
فليس هذا من دين المسلمين بل هو إلى دين الجاهلية أقرب ثم هم قد فوتوا بذلك
ما في صوم هذا اليوم من الفض
----
-
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد:
فإن
شهر محرم من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله –تعالى-( إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:36)
وقد قال النبي –صلى
الله عليه وسلم-: ( السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات :
ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) رواه
البخاري (4662)، ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة – رضي الله عنه-.
وسمي
هذا الشهر محرما لتحريم القتال فيه . المطلع على أبواب المقنع 1/150
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/393 وقيل لتحريم الجنة فيه على إبليس .
إعانة الطالبين 2/214 مغني المحتاج 4/66 والأول أصح .
قال تعالى (
وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:2) قال ابن العربي رحمه الله تعالى : " في
تعيينها أربعة أقوال : الأول : أنها عشر ذي الحجة ; روي عن ابن عباس ,
وقاله جابر , ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح . الثاني : عشر
المحرم ; قاله الطبري . الثالث : أنها العشر الأواخر من رمضان . الرابع :
أنها العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام في ميقاته معه " ا.هـ أحكام
القرآن 4/333
ويشرع صيام شهر محرم ؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله
عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( أفضل الصيام بعد رمضان
شهر الله المحرم ) رواه مسلم (1163).
وفي هذا الشهر يوم عاشوراء وهو
اليوم العاشر منه لحديث عَبْد اللّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ
عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ: إِنَّهُ
يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ
اللّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ
الْمُقْبِلُ، حَتَّىٰ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ . رواه مسلم ( 2619) وهذا
هو الصواب قال الزين بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من
شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية . فتح الباري 4/770 تنوير
الحوالك 1/269 نيل الأوطار 2/313 تحفة الأحوذي 3/397
ويتأكد صيام
يوم عاشوراء ؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: ( ما رأيت رسول الله
–صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم
عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان ) رواه البخاري(2006)، ومسلم(1132).
ولصيام
هذا اليوم المبارك فضل عظيم كما في حديث أبي قتادة – رضي الله عنه- عن
النبي –صلى الله عليه وسلم- ( صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر
السنة التي قبله ) رواه أحمد (5/296)، ومسلم (1163).
وصيام هذا
اليوم سنة مؤكدة وليس واجباً ؛ لحديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-
قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( إن عاشوراء يوم من أيام الله ،
فمن شاء صامه ومن شاء تركه ) رواه مسلم (1136). وعن عائشةَ رضيَ اللّهُ
عنها قالت: «كان عاشوراءُ يوماً تَصومهُ قريش في الجاهلية، وكان النبيُّ
صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما قدِمَ المدينةَ صَامَهُ وأمرَ بصيامه، فلما
نزلَ رمضانُ كان مَن شاءَ صامه، ومن شاء لا يَصومُه» رواه البخاري (
3744).
ويستحب حث الصبيان على صيامه ؛ كما في حديث الربيِّع بنت
معوذ – رضي الله عنها- قالت : أرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- غداة
عاشوراء إلى قرى الأنصار ( مَن أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح
صائماً فليصم ) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من
العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار .
رواه البخاري (1690) ومسلم (1136).
كما يسن صيام يوم قبله أو بعده ؛
لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه
وسلم-: ( صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده
يوماً ) رواه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095) من طريق محمد بن أبي ليلى
وفيه كلام وصح قال ابن رجب رحمه الله تعالى : " وصح عن ابن عباس من قوله "
ا.هـ لطائف المعارف /108 وهذا في صيام يوم بعده أما صيام يوم قبله فقد صح
ذلك كما ذكرته أعلاه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " وقد كان صلى
الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا
كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان ، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب
مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح ، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا
وقال: ( نحن أحق بموسى منكم ) ، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم
قبله ويوم بعده خلافا لهم " ا.هـ فتح الباري 4/770 تحفة الأحوذي 3/397
وصيام
يوم قبله أو بعده مستحب لا واجب قال ابن القيم – رحمه الله تعالى-: (
مراتب صومه ثلاث، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام
التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم )
ا.هـ زاد المعاد (2/75).
وعلى المسلم أن لا يتكل على صيام هذا
اليوم مع مقارفته للكبائر إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب قال ابن القيم
رحمه الله تعالى : " وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى
يقول بعضهم : يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في
الأجر ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام
يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان
والجمعة إلى الجمعة لا يقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر
إليها فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة
عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها هذا محال على أنه لا يمتنع أن
يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه ويكون من
نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من
التكفير فإذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونا على
عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين
متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال إن تجتنبوا كبائر ما
تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن
يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم
منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوي وأتم وأشمل "
ا.هـ الجواب الكافي /13
وسبب صيام هذا اليوم المبارك ما جاء في حديث
ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم-
المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ( ما هذا ) ؟ قالوا: هذا يوم
صالح ، هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال: ( فأنا
أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه ) رواه البخاري (1900) وقد سبق أن
ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صامه في مكة قال الباجي رحمه الله
تعالى : " يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ تَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ
أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَمَّا هَاجَرَ وَعَلِمَ
أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ صَامَهُ وَأَمَرَ
بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ نَسَخَ وُجُوبَهُ " ا.هـ المنتقى
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إما الإشكال الأول وهو أنه لما قدم
المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه
فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة ولكن أول علمه بذلك
بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة
هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية وإن كان بالشمسية زال
الإشكال بالكلية ويكون اليوم الذي نجى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من
أول المحرم فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية فوافق ذلك مقدم النبي المدينة
في ربيع الأول وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس وصوم المسلمين
إنما هو بالشهر الهلالي وكذلك حجهم وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو
مستحب فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منكم فظهر حكم هذه
الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه وهم أخطأوا تعيينه لدورانه في
السنة الشمسية كما أخطأ النصاري في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة
تختلف فيه الأشهر " ا.هـ زاد المعاد 2./70
وأختم بذكر بعض البدع التي أُحدثت في هذا اليوم مما ذكر أكثره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه .
فقد
ذهب بعض العلماء إلى استحباب قيام ليلة عاشوراء ولا أعلم لهم دليلا على
ذلك بل هي ليلة كسائر الليالي فمن كانت عادته قيام الليل قامها وإلا فلا
يخصها بصلاة . انظر :مطالب أولي النهى 1/581 ومن البدع كذلك الاجتماع
للصلاة هذه الليلة فتجتمع بدعتان . انظر : منح الجليل 1/345 مواهب الجليل
1/73 ومنها ما يُروى أنه من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا
وكذا كتب له ثواب سبعين نبيا قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " هو عند أهل
الحديث من الأحاديث الموضوعة " ا.هـ درء التعارض 1/150
ومن ذلك ما
ذكره ابن تيمية – رحمه الله تعالى- بقوله : ( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين
– رضي الله عنه- يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من
اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يُفضي إليه ذلك من سب
السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب... وكان قصد من سن ذلك
فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق
المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله
ورسوله – صلى الله عليه وسلم-) ا.هـ منهاج السنة (4/544) وقال رحمه الله
تعالى : " النوع الثالث ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة
ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة
الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة فهذا
الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرا ينهى عنه
مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع
وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله ولا أحد من
السلف لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من غيرهم لكن لما
أكرم الله فيه سبط نبيه أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي
الفجرة الذين أهانهم الله وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به
أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا
اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في
الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورا أخرى مما يكرهها الله ورسوله
وقد روي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين رضي الله عنهم قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ( من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث لها
استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب ) رواه
الإمام أحمد وابن ماجه فتدبر كيف روى مثل هذا الحديث الحسين بن علي رضي
الله عنهما وعن بنته التي شهدت مصابه وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مأتما
فليس هذا من دين المسلمين بل هو إلى دين الجاهلية أقرب ثم هم قد فوتوا بذلك
ما في صوم هذا اليوم من الفض